Студопедия

КАТЕГОРИИ:

АвтоАвтоматизацияАрхитектураАстрономияАудитБиологияБухгалтерияВоенное делоГенетикаГеографияГеологияГосударствоДомЖурналистика и СМИИзобретательствоИностранные языкиИнформатикаИскусствоИсторияКомпьютерыКулинарияКультураЛексикологияЛитератураЛогикаМаркетингМатематикаМашиностроениеМедицинаМенеджментМеталлы и СваркаМеханикаМузыкаНаселениеОбразованиеОхрана безопасности жизниОхрана ТрудаПедагогикаПолитикаПравоПриборостроениеПрограммированиеПроизводствоПромышленностьПсихологияРадиоРегилияСвязьСоциологияСпортСтандартизацияСтроительствоТехнологииТорговляТуризмФизикаФизиологияФилософияФинансыХимияХозяйствоЦеннообразованиеЧерчениеЭкологияЭконометрикаЭкономикаЭлектроникаЮриспунденкция

Абу Нувасаль-Хасан ибн Хани аль-Хаками 17 страница




و لم يزل الثعلب خائفا من الذئب مصانعا له. ثم إن الثعلب ذهب إلى كرم يوما فرأى في حائطه ثلمة فأنكرها، و قال في نفسه: إن هذه الثلمة لا بد لها من سبب. و قد قيل: من رأى خزقا في الأرض فلم يجتنبه و يَتَوَقَّ عن الإقدام عليه كان بنفسه مغرورًا و للهلاك متعرضًا وقد اشتهر أن بعض الناس يعمل صورة الثعلب في الكرم و يقدم إليه العنب في الأطباق، لأجل أن يرى ذلك ثعلب آخر فيقدم إليه فيقع في الهلاك، و إني أرى هذه الثلمة مكيدة. و قد قيل إن الحذر الشطارة، و من الحذر أن أبحث عن هذه الثلمة و أنظر لعلّي أجد عندها أمرًا يؤدّي إلى التلف، و لا يحملني الطمع على أن ألقي نفسي في الهلكة. ثم دنا منها و طاف بها و هو محاذر، فرآها فإذا هي حفرة عظيمة قد حفرها صاحب الكرم ليصيد فيها الوحش الذي يفسد الكرم، ورأى عليها غطاء رقيقا فتأخر عنها، و قال: الحمد لله حيث حذرتها و أرجو أن يقع فيها عدوى الذئب الذي نغّص عيشتي، فاستقلُّ بالكرم وحدي و أعيشُ فيه آمنًا، ثم هزَّ رأسه و ضحك ضحكًا عاليًا، و أطرب بالنغمات و أنشد هذه الأبيات:

ليتَـني أبصــرْتُ هـذا الـ****ـوقـتَ فـي ذي البئـر ذِئـبا

طالما قـد ســــاء قلبــي****وسقانـي المـرّ غصبـــا

ليتـني مـن بعد ذا أبــقى****ويقـضي الذّئـب نحــــبا

ثــمّ يخلـو الكرم مــنه ****وأرى لـــي فيــه نهـبا

فلمّا فرغ من شعره انطلق مسرعا، حتّى وصل إلى الذّئب، وقال له:إنّ اللّه سهّل لك الأمور إلى الكرم بلا تعب، وهذا من سعادتك، فهنيئا لك بما فتح اللّه عليك وسهّل لك من تلك الغنيمة والرّزق الواسع بلا مشقّة. فقال الذّئب للثّعلب: وما الدّليل على ما وصفت؟ قال: إنّي انتهيت إلى الكرم فوجدت صاحبه قد مات،ودخلت البستان فرأيت الأثمار زاهية على الأشجار. فلم يشكّ الذّئب في قول الثّعلب وأدركه شرهه، فقام حتّى إنتهى إلى الثّلمة وقد أغراه الطمع، ووقف الثّعلب متهافتا كالميّت وتمثّل بهذا البيت:

أتطمع مـن ليلـى بوصــل****تضــرّ بأعنـاق الرّجـال المطامـع

فلمّا انتهى الذّئب إلى الثّلمة، قال له الثّعلب: أدخل إلى الكرم فقد كفيت مؤونة التّسلّق وهدم الحائط، وعلى اللّه تمام الإحسان. فأقبل الذّئب ماشيا إلى الكرم، فلمّا توسّط غطاء الثّلمة وقع فيها، فاضطرب الثّعلب اضطرابا شديدا من السّرور والفرح وزوال الهمّ والتّرح.

وأنشد هذه الأبيات:

رقّ الزّمان لحـالتــي       ورثَـى لِطـول تَــحَرّقِـي

وأنـالني ما أشْتَهِــي      وأزال مـمّا أَتّـــَقِـــي

فَلأَصْفَحَنَّ عـمـّا جنا       ه مِـنَ الذُّنُـوبِ السُّبَـقِ

فالذّئـب ليـس لـه خـلا      صٌ من هَــلاكٍ مؤْبــقِ

والكرم لي وحدي وـا       لــي مـن شريك أحمـقِ

 ثمّ إنّ الثّعلب تطلّع في الحفرة فرأى الذّئب يبكي ندما وحزنا على نفسه، فبكى الثّعلب معه، فرفع الذّئب رأسه إلى الثّعلب وقال له: أمن رحمتك لي بكيت يا أبا الحصين؟

قال: لا والذي قذفك في هذه الحفرة، إنّما بكيت لطول عمرك الماضي وأسفا على كونك لم تقع في هذه الثّلمة قبل اليوم، ولو وقعت قبل إجتماعي بك لكنت أرحت واسترحت، ولكن أبقيت لأجلك المحتوم ووقتك المعلوم. فقال له: رح، أيّها المسيء، لوالدتي واخبرها بما حصل لي، لعلّها تحتال على خلاصي. فقال له الثّعلب: لقد أوقعك في الهلاك شدّة طمعك وكثرة حرصك، حيث سقطت في حفرة لست منها بسالم، ألم تعلم أيّها الذّئب الجاهل أنّ صاحب المثل يقول: من لم يفكّر في العواقب لم يأمن المعاطب.

فقال الذّئب: يا أبا الحصين إنّما كنت تظهر محبّتي وترغب في مودّتي وتخاف من شدّة قوّتي، فلا تحقد عليّ بما فعلت معك ، ومن قدّر وعفا كان أجره على الّله ، وقد قال الشّاعر :

ازرعْ جميلا فلـو في غيـر موضـعه فـلا يضــيعُ جميلٌ أينما زُرِعَــا

إنّ الجميلَ وإن طال الــزّمانُ بـه  فـليسَ يــحسُدُه إلاّ الذي زرَعَـا

وقال له الثّعلب: يا أجْهلُ السِّبَاعُ وأحمق الوحوش في البِقاعِ ، هل نسيت تَجَبُّرك وعُتُوُّكَ وتكبّرك ؟ وأنت لم تراع حقّ المعاشِر ، ولم تنتصح بقول الشّاعر :

لا تظلِمَنَّ إذا ما كنتَ مــُقتدِرًا فـــالظّــلم آخـــره يأتـــيكَ بالنَّــــدَمِ

تــنام عيـناك والمظلوم منــتبه يــدعو علـــيكَ و عــين اللّــه لـم تـــنمْ

فقال له الذّئب: يا أبا الحصين لا تؤاخذني بسابق الذنوب فالعفو من الكرم مطلوب ، وصُنع المعروفِ من حُسنِ الذَّخَائِرِ ، وما أحسن قول الشّاعر:

بــادِرْ بخـيرٍ إذا مـا كنــتَ مُـقْتدِرًا فـــليس فـــي كــلّ حيـن أنـت مقـــتدر

وما فتِىءَ الذّئب يتذلّل للثّعلب ، ويقول له : لعلّك تقدر على شيء تخَلِّصُني به من الهلاك ؟ فقال له الثّعلب: أيّها الفظّ الغليظ إنّي أُشبهك في حسن علانيّتك وقُبح نيّتك بالباز مع الحجل.

قال الذّئب وكيف كان ذلك؟ قال الثّعلب : دخلتُ يوما كرما لآكل من عنبه ، فبينما أنا فيه إذ رأيت بازيا انقضّ على حجل ، فلمّا اقتنصه انفلَتَ منه الحجل ودخل وكْره واختفى فيه ، فتبعه البازي وناداه : أيّها الجاهل، إنّي رأيتك في البرّيّة جائعا فرحمتك فالتقطت لك حبّا وأمسكتك لتأكل فهربت منّي، ولم أعرف لهروبك وجها إلاّ الحرمان ، فاظهر وخذ ما أتيتك به من الحَبِّ فكله هنيئا مريئا.

  فلمّا سمع الحجل قول البازي صدّقه وخرج إليه، فأنشب مخالبه فيه فمكّنها منه ، فقال الحجل: أهذا الذي ذكرت أنّك أتيتني به من البرّيّة. جعل اللّه ما تأكله من لحمي في جوفك سُمّا قاتلا.

فلمّا أكله وقع ريشه وسقطت ركبته ومات لوقته . ثمّ قال له الثّعلب: اعلم أيّها الذّئب أنّ من حفر لأخيه قليبا وقع فيه قريبا ،وأنت غدرت بي أوّلا. فقال الذّئب ، دعني من هذا المقال وضرب الأمثال ، ولا تذكر لي ما سلف منّي من قبيح الفِعال، ويكفيني ما أنا فيه من سوء الحال ، حيث وقعت في ورطةٍ يُرثي فيها العدوّ فضلا عن الصّديق،فانظر لي حيلة أتخلّص بها وكن فيها غيثي ، وإن كان عليك في ذلك مشقّة ، فقد يتحمّل الصّديق لصديقه أشدّ النِّصَاب ويقاسي فيما فيه نجاته من العطب .وقد قيل أنّ الصّديق الشّفيق خير من الأخ الشّقيق ، وإن تسبّبت في نجاتي لأجمعنّ لك من الآلة ما يكون لك عدّة، ثمّ لأُعلِّمنَّكَ من الحيَلِ الغريبة ما تفتح به الكروم الخصيبة ، وتجني الأشجار المثمرة ، فطِبْ نفسا وقِر عينا

فقال له الثّعلب، وهو يضحك : ما أحسن ما قالته العلماء في كثير الجهَلةمثلك . قال الذّئب: وما قالت العلماء؟ قال : ذكر العلماء أنّ غليظ الجثّة غليظ الطّبع يكون بعيدا من العقل قريبا من الجهل ، لأنّ قولك أيّها الماكر الأحمق في أنّ الصّديق قد يتحمّل المشاقّ في تخليص صديقه صحيح ، ولكّنك عرّفتني بجهلك وقلّة عقلك ، فكيف أصادقك مع خيانتك ؟ أَحَسِبتني لك صديقا وأنا لك عدوّ شامت ؟ وهذا الكلام أشدّ من رَشقِ السّهام إن كنت تعقل ، وأمّا قولك أنّك تعطيني من الآلات ما يكون عدّة لي وتعلّمني من الحيل ما أصل به إلى الكروم المُخْصبة وأجني به الأشجار المثمرة ، فما بالك أيّها المخادع الغادر لا تعرف لك حيلة تتخلّص بها من الهلاك ؟ فما أبعدك من المنفعة لنفسك ، وما أبعدني من القبول لنصيحتك ، وإن كانت عندك حيل فتحيّل بها لنفسك في الخلاص من من هذا المر الذي أسأل اللّه أن يبعد خلاصك منه ، فانظر أيّها الجاهل إن كانت عندك حيلة فخلّص نفسك بها من القتل، قبل أن تبذل التّعليم لغيرك، ولكنّك مثل انسان حصل له مرض ، فأتاه رجل مريض بمثل مرضه ليداويه ، فقال له : هل لك أن أداويك من مرضك؟ فقال الرّجل: هل بدأت بنفسك في المداواة ، فتركه وانصرف ، وأنت أيّها الذّئب كذلك ، فالزم مكانك واصبر على ما أصابك .










Последнее изменение этой страницы: 2018-04-12; просмотров: 233.

stydopedya.ru не претендует на авторское право материалов, которые вылажены, но предоставляет бесплатный доступ к ним. В случае нарушения авторского права или персональных данных напишите сюда...